الأزياء قيمة ثقافية وجمالية
حكمت داوود
لم تكن الأزياء حاجة اجتماعية وأخلاقية فحسب ، بل كانت ولا زالت انعكاس ثقافي وحاجة إنسانية بحتة ، حيكت بأحكام و بكثير من التنسيق والتناغم ، لتناسب بيئات معينة في كل زمان ومكان عبر تاريخ المسيرة البشرية منذ الخليقة الأولى ، فمن خلال الأزياء يعلن الشخص انتماؤه لبيئة ما ، ولمكان وزمان وثقافة ما .و أية دراسة تتعلق
بتاريخ الأزياء يتطلب منّا الاهتمام الجدي بتاريخ الشعوب وعاداتها وقيمها وفنونها المختلفة ، وتراثها.
تتنوع الأزياء باختلاف الجغرافيا في بلاد العالم، وباختلاف الشعوب ذاتها ، وهذا التنوع يفرض على الإنسان أن يتكيف مع هذا التنوع بمختلف الطرق، فمنذ القدم ، استطاع الإنسان وفي كل مراحل تطوره ، أن يكون الأجدر دوماً بالاستفادة من محيطه وتطويع منتجات الطبيعة وتسخيرها في خدمته ، واستطاع أيضا أن يسجل هذا التراث في كتاب الذاكرة الشعبية إذا صح التعبير، تحت بنود ومسميات مختلفة مثل الشعر والأدب والأزياء والطرز والمؤثرات ومكملات الزي والزينة والتي بالتالي تنتج هوية وشخصية شعبية بكل مقومات الاستمرار ، والتكيف في الحياة.
نستطيع من خلال الآثار التي وجدت في تاريخ البشرية أن نلتمس طبيعة الأزياء التي كانت سائدة في كل فترة تاريخية وأن نلتمس أيضا، غنى ورقي هذه الأزياء، التي كانت نتيجة حتمية لتراكم الخبرة الثقافية .
وتخبرنا حضارات الشعوب التي سادت في تاريخ العالم بكثير من المزايا ، والطباع ، والعادات وتخبرنا أيضا عن مدى تقدمها الحضاري وانتعاش مستواها الاقتصادي ، وما التطريزات وطرق رسمها وألوانها ونوعية الأنسجة المصنوعة منها الملابس إلا مزايا وخصائص تبرز الطابع المميز لكل شعب.
فالأزياء هي أولا حاجة أساسية للبشر ، ومحاكاة وتعبير مباشر وجلي للحالة الثقافية السائدة في كل مجتمع ، لا بل ويعتبر – زياَ – لمجموعة أفكار وعادات كل مجتمع ، وتتنوع هذه الأزياء وتزدهر ، بازدياد التلاقي والتبادل الثقافي بين الشعوب.
كونت الحضارات المختلفة المتعاقبة على البشرية لغة فنية ، حسية ،عينية، استطاعت التعبير باختصار عن الأفكار الأساسية لزمنها ، وذلك من خلال الأزياء، وطرق ارتدائها، ونوعية ومصدر منسوجاتها .
لذا فالفنون بكل أشكالها المختلفة تعتبر العربة التي حملت وأوصلت لنا موروثنا الثقافي كقيمة إنسانية خالدة ، وكانت صلة الوصل بماضينا البعيد ، واستطاعت الشعوب عبر تاريخها المحافظة على الحالة والشكل العام للملابس كجزء من احتفاظها بالهوية التاريخية والقومية لها ، فبقي الكثير من أشكال ملابس الشعوب محافظاً على نسقه الخاص به وان تنوعت واختلفت طبيعة المواد المنسوجة منها طبقاً لحالة المستويات الاجتماعية السائدة في كل مجتمع .
لا شك كان تأخر تطور الحرف وخصوصاً ما يتعلق بصناعة المنسوجات الأثر الأكبر في بقاء صفات خاصة للملابس القديمة لفترة طويلة من الزمن والتي اتصفت بسمة الألوان المتقاربة المأخوذة من الأصبغة الطبيعية المتوفرة ، حيث بقيت الملابس لفترة طويلة من تاريخ البشرية يغلب عليها طابع الخشونة وذلك من طبيعة الخيوط المنسوجة منها، وبالتالي انعكس ذلك على قيمة وشكل ومرونة تلك الملابس ..
لم أرد بمقالتي هذه أن أقدم بحثاً أكاديمياً يختص بانتربولوجيا الشعوب عبر التاريخ ، بقدر ما أردت أن اعرض لمحة سريعة مقتضبة عن أهمية الملابس كهوية – واعني بها الملابس التراثية الشعبية – وعن أهميتها كقيمة ثقافية وجمالية في الوقت الحاضر- واعني بها ملابس الموضة- كون هذه المسألة تنتمي إلى علم له مقوماته وأسبابه الموضوعية والذاتية والتي أصبحت كمصدر تجاري تعتمد عليه كثير من دول العالم لتحسين اقتصادها الوطني لما تدره من أرباح تصب في ميزانها التجاري .
أحدث التعليقات