لعل أبرز ما قدّمه المخرج بسام الملا في الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة» شخصية النمس الكوميدية التي يؤديها الممثل مصطفى الخاني، هذه الشخصية التي سرقت الأضواء بحق، وبرع المخرج في اختيارها على عكس بقية شخصيات المسلسل القائمة على توظيف إيديولوجي وفولكلوري باهت، وإن كان يحظى بجماهيره الغفيرة من المحيط إلى الخليج.
تكسر شخصية النمس روتين بطولات أبناء «حارة الضبع» والحارات المجاورة، وقد بات لافتاً أن جمهور المسلسل مأخوذ بها خصوصاً كلمات أغنية النمس «هلا والله ، حيا الله، أي والله ، ويا ناموسة، وينك وينك»، إذ وضعت على الهواتف النقالة ولا يتوقف الأطفال وسائقو سيارات الأجرة عن تردادها.
النمس خريج السجون بسبب طعنه أحد المواطنين، يحمل مضخة لمكافحة النموس والبرغش والبق كما يقول، يؤدي حركات بهلوانية في قتل الصراصير بحذائه أو التجسس من خلف الجدران والأشجار على العكيد «أبو النار». لا نعرف إن كان جاسوساً أو مناضلاً، إنه شخص حشري ولا يحب أن تُخفى عليه أية أحداث، لذلك نجده يتدخل في كل شاردة وواردة، ويحاول أن يكون شيئاً.
ربما استقى المخرج أو كاتب المسلسل شخصية النمس من النمس الذي ينتمي الى الحيوانات آكلة اللحوم وهو أكثرها حركة، ويتواجد في المناطق الجافة والغابات وبين أشجار الزيتون وحول القرى الجبلية.
النمس حيوان ليلي النشاط يقتات على القوارض والسحالي والطيور وبيوضها والحشرات الكبيرة، يقترب كثيراً من القرى والمزارع حيث يُشاهد وهو ينبش في جحور الفئران محاولاً إخراجها، وقد يحاول السطو على الدجاج، ما جعله مكروهاً من الفلاحين وهو يعمد إلى قتل فريسته بعضها من جهة الرقبة الخلفية.
طالما طارد الفلاحون هذا الحيوان واعتبروه مضرّاً ووصفوه بالمكر والدهاء، لكنه في الواقع أحد الحيوانات المفيدة للإنسان بسبب فتكه بالقوارض والأفاعي والزواحف الأخرى. النمس في «باب الحارة»، أيضاً، على رغم التجسس على العكيد، يبدو مفيداً لأبناء «حارة الضبع» من خلال إرشاده {أبو يوسف} و{أبو أحمد} إلى نفق قناة المياه وهما بدورهما أفشلا مخططاً للجنود الفرنسيين.
إنه أكثر حضوراً من «زكو» و{سلمو» في مسلسل «بيت جدي2» وأكثر شعبية، لأنه يمارس الدهاء، بينما تمارس الشخصيتان المذكورتان شيئاً من المازوشية والكلمات المكررة وهما مطاردتان من العدالة، وتمضيان معظم وقتهما في تدخين حشيشة الكيف سواء في البساتين أو في البراري.
يقدّم النمس أفكاراً جديدة خارج إطار نضالات باب الحارة ولعبة الكر والفر والسراديب والخنادق والعسكر الفرنسي ولهجة القومندان الفرنسي، وصولاً إلى وطنية «أم جوزف» (منى واصف) وأخلاقيات {أبو حاتم} (وفيق الزعيم). يُذكر أن «أبو بدر» يكسر روتين «باب الحارة» أيضاً لأنه على عكس «الرجالات» محكوم من زوجته ويمضي وقته في المطبخ، الأرجح أنه سيمارس رجولته بعد احتكاكه بأبطال الحارة.
أبلغ «رسالة» تحملها المسلسلات السورية أنها ضد منطق الدولة، تروج لثقافة القبضيات والأشبهيات والشهامة والعزة، منطق يعكس واقع ثقافة القبيلة والثأر وأبناء العمومة، وهذا ما يُسمى لدى العوام بـ{ثقافة النخوة».
(*) نقلا عن صحيفة الجريدة الكويتية
أحدث التعليقات