الشاعر حكمت داوود لا يجهد نفسه في إبراز مفاتن قصيدته فتراه دائما متقدا في كل المقاطع يحفّزها على الاضطلاع بأكثر من وظيفتها التركيبية.
العرب إبراهيم حسو [نُشر في 24/02/2016، العدد: 10195، ص(14)]
لغة داوود متداولة وطريفة جدّا إلا أنها لغة الحياة
لم يبتعد الشاعر والممثل السوري حكمت داوود في ألبومه الشعري الأول الموسوم بـ“كطفل يشتهي”، والصادر عن دار “نحن” بدمشق، عن النسقية الشعرية السورية المتداولة منذ ثلاثين عاما، النسق الرؤيوي الجبراني والنسق اليومي الماغوطي؛ وهما نسقان شعريان جنبا إلى جنب في تلاحم وتلاصق مستمرين ومتواصلين، والهمّ الخاص الشخصي متبلور في الأنا المخفية بألف وشاح، والهم العام الذي يتسع ويتضخم في النصوص الطويلة التي تتناول أحداثا كبيرة وأفكارا بحجم مأساتنا -المأساة الكردية في كوباني- كنموذج مصغر لويلات الحرب الدائرة في سوريا حتى اليوم.
كما نجد في الديوان نصوصا صغيرة أو التي تشبه الكتابة الفيسبوكية الدارجة هذه الأيام “كوباني.. من سيُذكّر الله بأسمائه الحسنى”، لكنها مصبوغة بحرفية وصناعة لغوية تقترب أكثر من صناعة اليوتيوب الشعري، حيث الصورة مقابل الكلمة، والحركة مقابل العين السينمائية، كل مفردة لها عمل وحركة وتغيير، وقد تصل أحيانا إلى تشكيل لوني ما، سواء في طريقة عرض الفكرة أو الحدث الشعريين، أو في طريقة توزع الكلمات وتلوينها وصبغها بالبلاغة المحتدمة والعالية، ليتجاوز الشاعر لغته اليومية الطويلة عبر تركيبات حكائية متينة تخفي دائما معاني مفاجئة، وانزياحات تأخذ الصفات والنعوت والأفعال، وتُظهر معاني مرادفة عبر الإشارات والضمائر التي تدلّ على فعل واحد، وهو يعمل على نصه كما يعمل نشّار الخشب في قطع الشجرة من جذوعها.
لا يجهد داوود نفسه في إبراز مفاتن قصيدته، فتراه دائما متقدا في كل مقطع من مقاطعه، يجمّل مفرداته الشعرية ويحفّزها على الاضطلاع بأكثر من وظيفتها التركيبية، ليتسلم وظائف بديلة، كأن يجازف بتطعيم النص بدلالات مغايرة للمفردة نفسها أو تفسيرات أخرى للكلمة.
لغة داوود متداولة وطريفة جدّا إلا أنها لغة الحياة التي يعيشها كل شاعر سوري في الحرب الجارية، لغة تنهل من ذاكرة تعبّر عن ويلات القتل اليومية، في محاولة التقاط الدلالات المرتدة وفق معطيات أخرى قريبة منها، إضافة إلى تكرار المفردات، ولكن بأقل رتابة وأكثر تناسقا في تجاوز الكلمة وما تشملها من إيماءات مختلفة، ويستدلّ على نصوص داوود من خلال كتاباته المتفرقة والمتناثرة المنشورة في النت، ولا أعرف أنه نشر شيئا من نصوصه ضمن كتاب شعري في بداياته أم لا، وقياسا على ما نشره حكمت يظل هو الجرس الثقافي الأكثر التحاما مع ما يكتبه، وهو الشاعر الكردي الناضج شعريا وفكريا، الذي يفتتح الحياة على مصراعيها وينهل منها مادته الشعرية، ويقبض منها المواضيع الحميمية الأكثر ولوجا واستدراكا.
أحدث التعليقات